معركة بدر الكبرى
الاستعدادات للمواجهة
لقد بدأت الأسباب الموضوعية تنضج لحدوث الصراع المباشر بين قريش والمسلمين، بعد أن حسمت قريش خيار المواجهة مع المسلمين في ظلّ إصرار من قبل الرسول (ص)، على اقتحام مواطن التأثير في الحياة القرشية والمكية، ولذلك لـم يبقَ إلاَّ السبب المباشر لحصول الانفجار بين الطرفين، وكان في ذلك الوقت قد ترامت الأنباء إلى يثرب أنَّ قافلة كبيرة لقريش تضمّ ألف بعير قادمة من الشام إلى مكة يقودها أبو سفيان بما لا يزيد على الأربعين من الرجال.
إنَّ وقوع مثل هذه القافلة بأيدي المسلمين سيشكِّل ـ لو حصل ـ ضربة قاصمة لقريش من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، ويحقق للمسلمين مكسباً سياسياً واقتصادياً، يجعل من قريش عاجزة عن حماية المقوِّم الأساسي لحياتها، ما يمكن أن يؤدي إلى زوال كيانها لو استمرت الحال هذه على نفس الوتيرة من النكسات. وما نلمسه من قول الرسول(ص) هو أنَّ التركيز يتمّ على العامل الاقتصادي: "هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها، لعلّ اللّه ينفلكموها".
ولم يعزم الرسول(ص) على أحد بالخروج، ولم يستحثّ متخلّفاً، بل ترك حرية القرار لكلّ فرد، ثُمَّ سار ـ بعد ـ بمن أمكنه الخروج، ولم يكن أحدٌ يتوقع أنَّ لقاءً مسلحاً حاسماً سيتمخض عن التحدّي الجديد، وحسبوا أنَّ مضيهم في هذا الوجه لن يختلف عمّا ألفوه في السرايا والغزوات السابقة، لذلك لـم يأخذوا أهبتهم الكاملة من السّلاح والتأهب.
وكانت همم المسلمين قد فترت عندما وردت إليهم أخبار تفيد بأنَّ القافلة قد غيّرت طريقها، وغالب الرسول (ص) هذا الفتور العارض، وحذّر أصحابه من عقبى العود السريع إلى المدينة إن فاتهم مال مكة وخرج إليهم رجالها، وأصرّ على ضرورة تعقب المشركين أينما كانوا، وقد عبّر الله عن ذلك في قوله تعالى: ]كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنَّ فريقاً من المؤمنين لكارهون* يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن كأنَّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون[ (الأنفال:5 ـ 6).
والذين كرهوا لقاء قريش، إنما كان كرههم لذلك لأنهم لم يعرفوا الحكمة في خوض معركة مباغتة دون إتقان ما ينبغي لها من عدّة وعدد، بيد أنَّ الرسول(ص) بحكمته استطاع أن يبـرّد هذه المخاوف، واختفت على عجل من المسلمين مشاعر التردّد، وانطلق الجميع خفافاً إلى غايتهم.
أمّا أبو سفيان فإنَّه ما إن أحسّ بالخطر على قافلته، حتّى أرسل (ضمضم بن عمرو الغفاري) إلى مكة يستصرخ أهلها حتى يُسارعوا إلى استنقاذ أموالهم. وما إن وصل ضمضم إلى مكة حتّى صرع بعيره، وحوّل رحله، وشقّ قميصه، وراح يصرخ، يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة! أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمَّد مع أصحابه لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث!
وسرعان ما استجاب النّاس لندائه، فهم إمّا خارج وإمّا باعث مكانه رجلاً، وتجمعت قريش كلّها في تسعمائة وخمسين رجلاً، معهم مائتا فرس يقودونها، ولـم يتخلّف من أشرافها أحد خلا أبو لهب الذي يبدو أنَّ مرضه وكبره أقعداه عن اللحاق بالمستنفرين.
لكنَّ أبا سفيان لـم ينتظر قدوم النجدة، بل بذل أقصى ما لديه من حذرٍ ودهاء لمخاتلة المسلمين والإفلات من قبضتهم، وقد كاد يسقط بالعير جمعاء في أيديهم وهم يشتدون في مسيرهم نحو بدر، غير أنَّ الحظ أسعفه، والتقى بمجدي بن عمرو، فسأله إذا كان قد أحسّ بأحد، فقال له ما رأيت أحداً أنكره، غير أنَّي رأيت راكبين أناخا في هذا التل ثُمَّ استقيا في شنّ لهما وانطلقا. فأتى أبو سفيان مناخهما، وتناول بعرات من فضلات الراحلتين، ثُمَّ فتّها فإذا فيها النوى، فقال: هذه واللّه علائف يثرب! وأدرك أنّ الرجلين من أصحاب محمَّد وأنَّ جيشه هنا قريب، فرجع إلى العير يضرب وجهها عن الطريق شارداً نحو الساحل، تاركاً بدراً إلى يساره، وبذلك استطاع أبو سفيان أن يفلت من قبضة المسلمين.
ولما أحرز أبو سفيان القافلة أرسل إلى قريش يدعوهم إلى الرجوع إلى مكة: "إنَّكم إن خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم ورجالكم فقد نجّاها اللّه فارجعوا، ولكنَّ أبا جهل بن هشام رفض العودة وأصرّ على المضيّ إلى بدر، حيث كان للعرب هناك سوق يجتمعون فيه كلّ عام ثلاثة أيام وهذا ما عبّر عنه أبو جهل بقوله: "ننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر، وتفرّق علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وبجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبداً بعدها".
ولعلّ أبا جهل كان ينطق بما يختلج لدى قريش ويُعبّر عن الأزمة التي حلّت بها جراء ما حقّقه المسلمون من انتصار على المستويات السياسية والعسكرية والنفسية، ولهذا كان لا بُدَّ لقريش من أن تعمل لكي تعيد الاعتبار إلى مكانتها وهيمنتها على بقاع واسعة من الحجاز.
وفي المقابل، كان الرسول(ص) قد انطلق بأصحابه البالغ عددهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً، مستخلفاً على المدينة أبا لبابة، ومقيماً عمرو بن أم مكتوم إماماً على الصلاة بالنّاس، ودفع اللواء الأبيض إلى مصعب بن عمير، وأمّا الرايتان السوداوان فقد حمل عليّ إحداهما وتدعى العقاب، أمّا الأخرى فقد حملها بعض الأنصار.
أمّا العتاد فكان متواضعاً قياساً لما كان يمتلكه أهالي قريش، فلم يكن لديهم سوى سبعين بعيراً كان كلّ ثلاثة يتناوبون واحداً منها، ومن الخيول سوى اثنتين.
ولما وصل المسلمون قريباً من بدر، حيث طريق القوافل بين مكة وبلاد الشام، بعث الرسول (ص) إلى هناك اثنين من أتباعه ليحتسب له الأخبار عن قافلة أبي سفيان التي كانوا يظنون أنَّها لا زالت في المنطقة، وانطلق هو وأصحابه في أعقابهما.
وما لبث الرسول(ص) أن عسكر بأصحابه قريباً من ماء بدر، وعندما حلّ المساء، بعث ثلاثة من رجاله الموثوقين: عليّ بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، على رأس جماعة من المسلمين ليتحسسوا الأحوال ويلتمسوا الأخبار، فألقوا القبض على غلامين لقريش كانا يمدانها بالماء، فجاؤوا بهما إلى الرسول (ص) ـ وهو قائم يصلي ـ فسألوهما عن انتمائهما فاعترفا بانتمائهما للجيش القرشي: "نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء".
وبعد أن أنهى (ص) صلاته سألهما عن أحوال قريش، فأخبراه: "هم واللّه وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى، فقال لهم: كم القوم؟ قالا: لا ندري، قال: كم تنحرون كلّ يوم؟ قالا يوماً تسعاً ويوماً عشراً، فقال (ص): القوم بين التسعمائة والألف، ثُمَّ سألهما: فمن فيها من أشراف قريش؟ فطفقا يستعرضان عدداً من قادة قريش فيهم عتبة وشيبة أبناء ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأميّة بن خلف، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبد ود، ونوفل بن خويلد... وحينذاك أقبل الرسول (ص) على أصحابه وقال: هذه مكة ألقت إليكم أفلاذ أكبادها...".
وهنا أدرك الرسول (ص) أنَّه أمام وضع جديد، يقضي بمواجهة قريش بعدتها وعديدها، بالرغم من قلّة السّلاح، ونقص الاستعداد، ولكن يحدوه أمل كبير باللّه وبالمؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه، خاصة وأنَّه سيترتب على هذه الواقعة آثار مستقبلية على الإسلام، فإن لـم يتصدَ لها في أول تحدٍّ حاسم، فإنَّ نكسة خطيرة ستصيب الدعوة والدولة على السواء.
التشاور قبل المعركة
ولكن الرسول(ص) قبل أن يقدم على خوض المعركة، أراد أن يستمزج آراء أصحابه، وأذاع عليهم تفاصيل ما ورد، وأحبّ أن يكونوا على علم من حقيقة الموقف ليكونوا على بصيرة من أمرهم، ووقف عمر بن الخطاب يحذره من قريش وخيلائها، وقال: "يا رسول اللّه، إنَّها قريش وعزّها، واللّه ما ذلت منذ عزت، ولا آمنت منذ كفرت، واللّه لا تسلم عزها أبداً ولتقاتلنك، فاتهب لذلك أهبته، وأعدّ لذلك عدّته"، ولكنَّ المقداد بن عمرو من المهاجرين وقف وقال: يا رسول اللّه امضِ لما أراك اللّه فنحن معك، واللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ]فاذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون[ (المائدة:24)، ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا فإنَّا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحقّ، لو سرت بنا إلى برك العماد (موقع من وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر) لجالدنا معك من دونها حتّى تبلغها".
وخاف أن لا يكون للأنصار رغبة في القتال، لأنَّهم عاهدوه على أن يدافعوا عنه في بلدهم، فأخذ برأيهم في ذلك أيضاً، فقال سعد بن معاذ: "قد آمنا بك وصدّقناك وشهدنا أنَّ ما جئت به هو الحقّ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، فامضِ يا رسول اللّه لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحقّ لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلّف منّا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنَّا لَصُبُرٌ في الحرب، صُدُق عند اللقاء، لعلّ اللّه يريك منّا ما تقرّ به عينك، فسر على بركة اللّه".
وعندما رأى الرسول (ص) عزم أصحابه على مواجهة قريش، سرّ بذلك وقال: "سيروا وأبشروا فإنَّ اللّه قد وعدني إحدى الطائفتين، واللّه لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم".
وهنا يجب الإلفات إلى نقطة مهمة ما حصل في الاستعداد لمعركة بدر، حيثُ أخذ رسول اللّه (ص) برأي الحباب بن المنذر الذي سأله بعد أن نزل أدنى ماء من بدر، يا رسول اللّه، أرأيت هذا المنزل؟ أمنزلاً أنزلك اللّه ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال الحباب: يا رسول اللّه، فإنَّ هذا ليس بمنـزل، فانهض بالنّاس حتّى نأتي ماءً من القوم فننـزله ثُمَّ نفوّر ما وراءه من الآبار ثُمَّ نبني عليها حوضاً فنملأه ماءً، ثُمَّ نقاتل القوم فنشرب ولا يشربـون، فقال الرسول (ص): لقد أشرت بالرأي، ثُمَّ أمر بتنفيذ خطّته، فلم يجئ نصف الليل حتّى تحوّلوا كما رأى الحباب، وامتلكوا مواقع الماء".
وقضى المسلمون ليلاً هادئاً، وغمرت الثقة قلوبهم، وتساقط عليهم مطر خفيف، فلبدت أرض الصحراء بما يتيح للمسلمين حركة سريعة فوقها. وقد تحدّث القرآن الكريـم عن هـذه الأجواء بقوله تعالى: ]إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينـزّل عليكم من السّماء ماءً ليطهّركم به ويُذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبِّت به الأقدام[ (الأنفال:11).
وقد عبّر الرسول (ص) عن خطورة المواجهة مع قريش، وأنَّ الانتصار فيها سيحقّق للمسلمين مكاسب مهمة على كافّة الصعد، لا سيما على الصعيد الديني، ما يشكل ديمومة واستمراراً للدين الإسلامي، وقد جاء في دعائه: "اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض"، مدللاً على انقياده المطلق للّه وأنَّ النصر منه سبحانه: "اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللّهمّ نصرك". وجاء في موقع آخر في دعائه: "اللّهمّ هذي قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذّب رسولك، اللّهمّ فنصرك الذي وعدتني".
خلافات في معسكر قريش
وعندما حلّ الفجر، كان الرسول (ص) قد صلّى بالمسلمين وراح ينظمهم صفوفاً ويحرضهم على القتال، وأرسل عمّاراً بن ياسر وابن مسعود، فطافا بالمشركين ثُمَّ رجعا إلى النبيّ (ص) يخبرانه بأنَّ القوم مذعورون فزعون، كما أنَّ الخلاف حصل بين قادة قريش، فرأى بعضهم التخلي عن القتال والعودة إلى مكة بعدما عرفوا نزول المسلمين قريباً منهم، وعلى رأس هؤلاء حكيم بن حزام وعتبة بن ربيعة، إلاَّ أنَّ أبا جهل أصرّ على الحرب واستثار عامر بن الحضرمي بتذكيره بمقتل أخيه عمرو في سرية عبد اللّه بن جحش الذي تفاعل مع هذه الاستثارة، ما دفع قريشاً بدورها لأن تستفز وتصرّ على القتال.
المواجهات
وفي صبيحة يوم الجمعة السابع عشر من رمضان، تقدم الأسود بن عبد الأسد المخزومي الذي عرف بشراسة الطبع وسوء الخلق، وقال: أعاهد اللّه لأشربن من حوضهم أو لأهدمنّه أو أموتن دونه، فتصدّى له حمزة بن عبد المطلب وتمكن من قتله في الحوض نفسه، وبرز عتبة بن ربيعة يحفّ به أخوه شيبة وابنه الوليد ودعا إلى المبارزة، فخرج إليه ثلاثة من فتيان الأنصار، ولكنَّ القرشيين دعوا النبيّ (ص) أن ينازلهم أكفاء من قومهم، فاستجاب الرسول(ص) لهذا التحدّي، وأمر عبيدة بن الحارث وحمزة وعليّاً(ع) بالتصدّي لهم.
وسرعان ما تمكن حمزة من قتل شيبة وفعل عليّ ذلك بغريمه الوليد، أمّا عبيدة فقد جرح غريمه وأصابه هو الآخر بجرح مميت، فانقض عليّ والحمزة عليه وأجهزا عليه وحملا عبيدة إلى معسكر المسلمين حيثُ توفي.
هذه الجولة أغاظت قريش، ولكنها في المقابل حفزت المسلمين على القتال، خاصة بعد أن أمطرت قريش معسكر المسلمين بوابل من السهام، وزحف الجيشان نحو بعضهما البعض، وأصدر الرسول أوامره إلى أصحابه ألاّ يهاجموا حتّى يأذن لهم، وأن يبعدوا مهاجميهم القرشيين بالنبال.
وعاد (ص) إلى العريش يراقب المعركة ويشرف عليها، وهو يدعو ربّه ويقول: "اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد".
ولما اتسع نطاق المعركة واقتربت من قمتها، كان المسلمون قد استنفدوا جهد أعدائهم، وألحقوا بهم خسائر فادحة، وخرج الرسول (ص) من موقعه يحثهم على القتال، وهو يقول: "والذي نفس محمَّد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبر، إلاَّ أدخله اللّه الجنّة" وراح الرسول (ص) يجالد المشركين بنفسه ويتقدّم الصفوف، حتّى أنَّ عليّاً(ع) قال عنه: "لما أن كان يوم بدر وحضر البأس، التقينا برسول اللّه، وكان أشدّ النّاس بأساً، وما كان منّا أحد أقرب إلى العدو منه".
انتصار المسلمين
[size=16]
ووهت صفوف المشركين تحت وطأة الضغط الذي مارسه المسلمون عليهم، تدفعهم إلى ذلك موجة عارمة من الإيمان ورغبة عميقة بالاستشهاد، تؤازرهم ثلة من الملائكة المقربين، وهو قوله تعالى: ]إذ يوحي ربُّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنان* ذلك بأنَّهم شاقوا اللّه ورسوله ومن يشاقق اللّه ورسوله فإنَّ اللّه شديد العقاب* ذلكم فذوقوه وأنَّ للكافرين عذاب النّار[ (الأنفال:12ـ14).
وحاول أبو جهل أن استنهاض قومه وتلافي الهزيمة اللاحقة بهم، ودعاهم إلى الصمود فأحاطت به فلول المشركين، ولكن هذه الغابة من المشركين لـم تصمد أمام قوّة إيمان المسلمين ورباطة جأشهم، يعززهم الإيمان الراسخ، ووقع أبو جهل نفسه في مصيدة المؤمنين.
ولحقت بالمشركين هزيمةٌ ساحقة، وفرّوا لا يلوون على شيء، مخلِّفين وراءهم ما يربو على سبعين قتيلاً ومثلهم أسرى، أمّا خسائر المسلمين فكانت أربعة عشر شهيداً؛ ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.
وفي ذلك قال سبحانه وتعالى: ]ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا اللّه لعلّكم تشكرون[ (آل عمران:123).
ولـم يلبث أن بعث الرسول(ص) عبد اللّه بن رواحة وزيد بن الحارثة إلى المدينة ليبشروا أهلها بانتصار المسلمين، وأقبل في أعقابهما بعد تسعة عشر يوماً من غيابه عنها مستصحباً معه أسرى المشركين بعد أن قسّم الغنائم على المسلمين على السواء، وعندما وصل إلى (الروحاء) قريباً من المدينة، لقيه المسلمون الذين لـم يخرجوا للقتال يهنئونه بما فتح اللّه عليه ومن معه من المسلمين... وما إن وصل إلى المدينة حتى فرّق الأسارى بين أصحابه.